تُعدّ التجارة محرك الحياة الذي يعتمد عليه الإنسان ليحققَ رغد العيش، و الرفاهية الاجتماعية، فهي أثرت على حياة البشر بشكلٍ هائلٍ، كما أنها وسعت مداركَهم و عقولهم على إمكانيات جديدة، وتربط بين الناس بعلاقات متشابكة تُسمى العلاقات التجارية، والتي تُعتبر المفتاح الأساسي للنمو الاقتصادي، و من هنا كان لا بدّ مِنْ منظمة تديرُ تلك العلاقات وتقوم بإعدادِ القواعد والقوانين لِتَسير عليها النشاطات التجارية في ظلّ الانفتاح الاقتصادي العالمي، ولتُيّسيرِ سُبل التجارة بين الشعوب والدول المختلفة في ضوء تطورات المجتمع الدولي، و ازدياد التجارة الدولية، والعمل على تسهيلها بين الدول، و إزالة العوائق التي تمنع زيادة حجم تبادل التجارة الدولية، فأنشأت منظمة التجارة العالمية رسمياً في الأول من يناير 1995م، مؤشرةً لمرحلة جديدة للاقتصاد العالمي، مفادها تقليص إن لم يكن إزالة أي حاجز أمام التبادل التجاري العالمي، وربط العلاقات والمصالح التجارية الدولية بين مختلف دول العالم، وتنظيم وتشجيع التجارة الدولية المتعددة الأطراف، وبذلك تكون قد اكتملت زوايا مثلث مؤسسات النظام الاقتصادي العالمي الحديث: صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية.
ما مدى فعالية منظمة التجارة العالمية في تحرير التجارة الدولية من القيود ؟؟
بمعنى إلى أي حدٍّ يمكن القول إنَّ منظمة التجارة العالمية بأهدافها وأجهزتها العامة والمتخصصة، وما تفرع عنها من لجانٍ ومجالسَ قد ساهمت في ازدهار التجارة، وحل الخلافات بين الدول الأعضاء لما تقتضيه المصالح التجارية المشتركة...؟
نظراً للدور الذي تلعبه منظمة التجارة العالمية في تسيير الشؤون التجارة الدولية، وجب علينا التعرف على مفهومها بالإطار العام، وذلك عبر التعرف على أهم أهدافها، والتسلسل التاريخي المؤدي لقيامها رسمياً.
هي منظمة حكومية دولية، تمَّ إنشاءها من أجل مراقبةِ تحرير التجارة الدولية من خلال إرساء بعض القواعد والمبادئ التجارية، ولتنظم وتُسهلُ التجارةَ بينَ الدول الأعضاء، كما إنها تقدم إطاراً للمفاوضات التي تؤدي للتوصل إلى الاتفاقيات التجارية، وأيضًا إنها تشرف على عملية تسوية المنازعات التي تؤكد وتحدد التزام الدول الأعضاء بالاتفاقيات التي تمَّ التصديق عليها من قبل البرلمانات وتم التوقيع عليها من قبل الحكومات .
كما إنها تسهمُ بشكلٍ فعالٍ وملحوظٍ في حلِ المشكلات التي تواجه الاقتصاد العالمي بواسطة توحيد السياسة التجارية بين الأعضاء، وقد أعطى قيام هذه المنظمة دفعاً قوياً لقواعد التجارة الدولية متيحاً الفرصة لإقامة وضع مؤسّسي لأعضاء المنظمة للإشراف على ممارسة نظام تجاري متعدد الأطراف .
يقعُ المقرُ الرئيسي لمنظمةِ التجارة العالميةِ في جنيف، سويسرا، حيث بدأت المنظمة عملياتها بصورة رسمية في 1 يناير من عام 1995م وفقًا لاتفاقيـةِ مراكش، وبذلكَ حلَت محل اتفاقية الجات التي أنشئت في عام 1947م .
منظمة التجارة العالمية هي أكبرُ منظمة اقتصادية دولية في العالم، حيث إنه بلغ عدد الدول الأعضاء بها 164 دولة، إضافة 24 دولة مراقبة، وتمثل هذه الدول ما يزيد عن 97٪ من التجارة الدولية، وتُدار أعمالها من قَِبلِ حكومات الدول الأعضاء متخذةً القرارات بتوافـــق الآراء لـــلدول الأعضاء جميعاً، إمــا في اجتــماع وزاري، الذي يُعقدُ كل عامين على الأقل، أو بواسطةِ السفراء والخبراء الذين يجتمعــون عــادةً في جنيف .
يمكنُ القول إنها منظمة "وظيفية" لأنها تقوم على الاتفاقيات الخاصة بتحرير التجارة العالمية، أي أنَّ الوظيفة الأساسية لها هي متعلقة بمسائل وقضايا التجارة الدولية ، ولكِنَّها أيضاً توفر بعضَ الاستثناءات لحماية البيئة و الأمن القومي، و أهداف مهمة أخرى، مانعةً التمييز بين الشركاء التجاريين، عاملةً على تسهيل و إدارة التجارة في السلع و الخدمات، و الملكية الفكرية بين البلدان المشاركة من خلال توفير إطــار للتفاوض و النــــقاش بشأن الاتفاقيات التجارية التي يرتكز هدفــها إلى خفــض، أو إلــغاء الرسوم الجمركية، و حصـص التوريد، و الحواجز التجارية الأخرى ، كما نشير إلى أن منظمة التجارة العالمية ذات أهداف متباينة و واضحة ، والتي سنتحدث عنها بالفقرة التالية بشكلٍ شبه مفصل.
سَعتْ منظمــــــة التجارة العالميــــــة من خلالِ ممارســــــة عملـها وصلاحياتهــا إلى تحقيق عـدة أهـداف رئيسيـة؛ مـن تلك الأهـــــــداف:
من أهداف منظمة التجارة العالمية جمع الدول الأعضاء في مكانٍ واحد، يتباحث ويتناقش فيه الأعضاء ويتفاوضون بمسائل تجارية شتى، وذاك ضمن جولات متعددة الأطراف، لتؤمِن اجتماعات اللجان الفرعية الدورية، والتي سيتم الحديث عنها في الفرع الثاني، في المنظمة الفرصة للقاءات الدائمة والمستمرة بين ممثلي الأعضاء، وكما أنها تتيح لهم المجال لمناقشة المشاكل المهمة، ومواكبة التطورات في شؤون منظمة التجارة العالمية. ومن ناحية أخرى، تُجمِع منظمة التجارة العالمية الدول الأعضاء في جولات منظمة من المحادثات بشأن علاقاتها التجارية المستقبلية .
كوَّن تطبيق قواعد التجارة المتعلقة بالتبادلات التجارية الدولية إلى نشـوب بعض الخلافـات بيـن الـدول، وذاك سببه تعارض مصالحها، مما قد يؤدي إلى اختلاف في تفسير الاتفاقيات الدولية، وهذا ما يؤدي إلى حدوث نزاع بل نزاعات بين الدول .
تحريرُ التجارةِ الدولية، وتنظيمُ آلياتها، ووضع مدونة لقواعدَ التعاملَ بينَ الدولِ الأعضاء بهدف إيجادُ نظامٍ تجاريٍ دولي أكثرُ عدلاً وانفتاحاً وهادفاً إلى تسيير العملية التجارية الدولية .
وذلك عن طريق آلية عمل منظمة التجارة العالمية، والتي تقوم بصورة نموذجية باتخاذ القرارات بإجماع الدول الأعضاء، عبر ممثليها، ويتم التصديق عليها بواسطة البرلمانات التابعة للدول الأعضاء، كما يتمّ حل الخلافات التجارية كما ذكرنا سابقاً عن طريق فض المنازعات الخاصة بمنظمة التجارة العالمية، والتي سيتم الحديث عنها في الفرع الثاني، حيث يتم التركيز على تفسير الاتفاقيات والتعهدات، وكيفية التزام السياسات التجارية بما قد قُرر، وبهذه الآلية تنخفض مخاطر امتداد الخلافات إلى نزاعات عسكرية أو سياسية .
تحقيقُ قدر كبير من الشفافيـة والوضـوح في الأنظمـة والقوانيـن التي تخـص التجـارة .
إتاحةُ الفرصة لاندماجِ واختلاط الـدول الناميـة والأقل نمـواً من أقرانِهـا في النظـام التجـاري العالمـي المتـعدد الأطـراف .
والمرادُ هنا أن تكون منظمة التجارة العالمية هي الراعي، والمؤسس الأول المشترك لسير العلاقات التجارية بين الدول الأعضاء، وتعمل على الاتفاقيات المبرمة في نطاق المنظمة، وإذا كانت المنظمة العالمية للتجارة تعمل على تنظيم التجارة بين الدول الأعضاء، فإنه حتماً سيؤثر على اقتصاد الدول الأخرى غير أعضاء المنظمة .
الاستـخدامُ المثالي لاستغـلالِ المواردِ العالمــية المتوفرة وفقاً، وتبعـــاً للمخطـطات التنمـــوية، والعمــــل على حماية البيئة والحفاظ عليها، وذلك بما يتلاءم مع متطلبات التقدم والتـًـطور الاقتصـادي العالــمــــــي .
هناك العديد والكثير من الأهداف الأخرى لمنظمة التجارة العالمية، ولكن أكتفي بذكر هذه الأهداف، وذاك تبعاً لسير الخطة البحثية المقررة، ومن ثم سننتقل للحديث عن التطور التاريخي لمنظمة التجارة العالمية بشكل واضح ومختصر، هدفه الفهم والإفهام.
بعد أن وضعت الحرب العالمية أوزارها في عام 1945م كان التوجه في ذاك الوقت على قيام نظام اقتصادي يعتمد على ركائز مؤسسية ثلاث جديـدة، متمثلةً بـ:
في مؤتمر بريتون وودز ، تم الإعلان عن تأسيس الصندوق و البنك الدوليين، أيضاً في هافانا عام 1947م، عُقِـدَ مؤتمر للتجارة و العمالة بهدف إرساء قواعد منظمة للتجارة الدولية، و تحديد اختصاصاتها وصلاحياتها، لكنْ لعدم تصديق الولايات المتحدة الأميركية عليه لم يكتب له النجاح والاستمرار، وأستمر العمل على تطوير هذا الميثاق ليتحول إلى ما أصبح يُعرف بالاتفاقية العامة للتعريفة والتجارة "الجات GATT" ، ومن هنا نشأت اتفاقية الجات والتي أصبحت ببطءٍ كمنظمة دولية بحكم الأمر الواقع أنذاك، و تعتبر اتفاقية الجات النظام الوحيد المتعدد الأطراف و الملزم قانوناً ، و تعرف على أنها بمثابة معاهدة دولية متعددة الأطراف، تنشئ وتفرض حقوق و التزامات على الدول الأعضاء فيها، وقد أُبرمت هذه المعاهدة في 30 أكتوبر 1947م، وأصبحت سارية المفعول في1948.1.1م، و شكلت اتفاقية الجات تصوراً، فريداً، و ملحوظاً في عمليات التبادل التجاري، إذ وضعت إطاراً و هيكلاً لتجارة دولية أكثر تحرراً من القيود، و على الرغم من أنها ليست منظمة دولية من الناحية القانونية لكنها اكتسبت بجدارة الممارسة إثبات نفسها لتصبح بوضع المنظمة العالمية غير الدائمة، كما إنه أسفر عن هذه الاتفاقية ثمانِ جولات تفاوضية في حقب زمنية مختلفة .
عقدت الدول الأعضاء في اتفاقية الجات ثمان جولات تفاوضية مختلفة بدءاً من جولة مفاوضات جنيف في العام 1947 م وانتهاءً بجولة الأورجواي الثانية في 15 أبريل 1994 م، والتي لخصت إلى إنشاء منظمة التجارة العالمية ، باتفاق ممثلي حكومات الأعضاء في لجنة المفاوضات لجولة الأورجواي على الوثيقة الختامية على نطاق عمل ومهام المنظمة، وهيكلها التنظيمي وعلاقاتها بالمنظمات الأخرى وطرق اكتساب العضوية . فيما يلي تلخيص لجولات الجات التفاوضية :
هي أول جولة من الجولات التفاوضية لاتفاقية الجات حيث كان عدد الدول المشاركة فيها آنذاك 23 دولة، و انتهت إلى التوصل للإطار العام للاتفاقية، مقتصراً نطاقها على تبادل التنازلات الجمركية التي أصبحت سارية المفعول في كانون الثاني/يناير 1948م، و أيضاً في هذه الجولة وافق الأعضاء على ضرورة قبول مجموعة قواعد التجارة المدرجة في مسودة ميثاق منظمة التجارة الدولية، تبعاً لذلك، فإن الدول الثلاثة و العشرون المشاركة في هذه الجولة أصبحت هي الأعضاء المؤسسة للجات و الأطراف المتعاقدة.
ارتكزت هذه الجولات بشكل أساسي ومحوري حول التعريفات الجمركية و الإجراءات الحدودية الأخرى، وفي الصف الأول بين الدول الصناعية.
شارك فيها ما يقارب 66 دولة من بينهم اليابان، المملكة المتحدة، و الولايات المتحدة ، و قد اعتبرت هذه الجولة أبرز جولات الجات نظراً لتجاوز التفاوضات تحرير التجارة الدولية حدود التنازلات الجمركية، ليشمل جانب الإجراءات التي تمارسها الدول، كما إنها أسفرت هذه الجولة أيضاً عن اتفاق لمكافحة اتفاق الإغراق الذي تطور فيما بعد، فشملت هذه الجولة الاتفاق على القضايا الزراعية، حيث كانت المحاولة الأولى للتفاوض بشأن التدابير الغير جمركية ، كما رفضت الولايات المتحدة الاتفاقات الأخرى غير الجمركية مما أدى إلى فشل الاتفاقات حول مكافحة الإغراق وتقدير الجمارك، وذلك لأن قانون 1962م الخاص بالتوسع في التجارة لم يرد فيه ما ينص على الإجراءات غير الجمركية .
شارك فيها 102 دولة، وتعتبر هذه الجولة أضخم الجولات السابقة لكونها تخطت ما اقتصرت عليه سابقاتها، للتناول القيود التجارية الأخرى إلى جانب التعريفات الجمركية، وأسفرت هذه الجولة عن رؤى غير مسبوقة لتحرير التجارة الدولية، بحيث تمَّ الاتفاق على خفض التعريفات الجمركية للسلع الزراعية والصناعية، بالإضافة إلى أنها عالجت القيود التجارية والمشكلات الناجمة عن تحرير التبادل التجاري الدولي وتعزيز النظام القانوني لاتفاقية الجات باتفاقيات جمة، مثل: اتفاقية الدعم واتفاقية احتساب قيمة الجمارك .
هذه الجولةُ أخر جولات اتفاقية الجات، وأهمُها التي أدت إلى انبثاق منظمة التجارة العالمية مع إدراج قطاعات حيوية لأول مرة في نطاق صلاحياتها تتضمن بما في ذلك قطاع الزراعة وقطاع تجارة الخدمات.
تعتبر جولة الأورجواي أكثر الجولات توسعاً و طموحاً مقارنةً مع الجولات التفاوضية السابقة، حيث شارك فيها 127 دولة مجتمعين بهدف تلافي قصور اتفاقية الجات 1947م ،حيث بدأت جولة الأوروجواي عام 1986م و كان من المفترض أن تنتهي مفاوضاتها عام 1991م، لكن الأطراف الرئيسية فيها لم تُقرّ مشروع الوثيقة بسبب الاختلاف بين الدول الأوروبية و الولايات المتحدة الأمريكية بشأن نسب تخفيض الدعم الحكومي لإنتاج وتصدير السلع الزراعية، و حول تخفيض الرسوم الجمركية عليها، و أيضاً اختلفت الأطراف الأساسية في المفاوضات بشأن موضوع تجارة الإنتاج الفني(السمعي، البصري)، وغيرها من القضايا التي لم تحظَ بموافقة أغلبية الأعضاء مما أدى إلى تمديد جولة الأورجواي إلى أن تمَّ الاتفاق أخيراً على انعقاد مؤتمر مراكش في المغرب في15 أبريل 1994م، وفيه تم إنهاء جولة الأورجواي بشكل رسمي ، و قد تمَّ التوقيع على 20 اتفاقية تحت مبدأ الالتزام الشامل الموحد ،وأصبحت تكّون أساس عمل منظمة التجارة العالمية، حيث بموجب اتفاقية مراكش، أنشئت منظمة التجارة العالمية رسمياً في 1/1/1995م لتحل محل اتفاقية الجات لتكون ذلك الإطار المؤسسي المشترك من أجل تنظيم العلاقات التجارية بين الدول الأعضاء .
إنَّ منظمة التجارة العالمية تأسست بشكل رسمي في التاريخ المذكور ،وتعود آليات عملها إلى اتفاقية الجات، ولعل أبرز ما يميز منظمة التجارة العالمية عن اتفاقية الجات النقاط التالية :
في الفرع الثاني سنتعرف بشكل أوسع عن منظمة التجارة العالمية، وذلك من خلال الحديث عن أجهزتها العامة والمتخصصة، وكذلك أيضاً سنتكلم عن آلية عملها في اتخاذ القرارات و في فض النزاعات بين الدول الأعضاء.
إنه من الضروري التعرف على أجهزة منظمة التجارة العالمية العامة والخاصة لفهم سير آليات عملها بشكل واضح في اتخاذ القرارات وتسوية النزاعات.
تتكون منظمة التجارة الدولية من عدِّة أجهزة رئيسية، وتنقسم إلى نوعين: أجهزة عامة ومتخصصة.
وتشمل :
يُعتبر المؤتمر الوزاري رأس السلطة، والهيئة العليا في منظمة التجارة العالمية، ويتألف من جميع وزراء التجارة للدول الأعضاء بالمنظمة، ويجتمع كل عامين مرة على الأقل وذلك للنظر على أعمال المجلس العام الذي يلي المؤتمر الوزاري في الأهمية، واتخاذ القرارات في المسائل المتعلقة بالاتفاقيات التجارية بين أطراف الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية .
يعتبر الجهاز المحوري لمنظمة التجارة العالمية، ويضم ممثلين من جميع الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية، و يقوم مقام المؤتمر الوزاري في فترات عدم انعقاده، كما يتفرع عنه المجالس و اللجان الفرعية (والتي سيتم الحديث عنها في الفقرة التالية) مثل مجلس التجارة في السلع، و مجلس التجارة في الخدمات، ويجتمع المجلس العام على هيئتين: هيئة جهاز لمراجعة السياسات التجارية ومتابعة المراجعات العادية للسياسات التجارية لكل دولة من الدول الأعضاء، وهيئة جهاز لفض المنازعات التجارية بين الدول، و ذلك ليقوم بالإطلاع على مهام المؤتمر الوزاري في الفترات الفاصلة بين اجتماعاته، و يعقد حسب ما يكون اجتماعه مناسباً، كما إنه يعهد بمهام معينة للمجالس واللجان الفرعية و يقوم باعتماد الأنظمة المالية و التقديرات الميزانية السنوية .
وهو من بين الأجهزة المهمة والرئيسية للمنظمة، ويباشر عمله من خلال المجلس العام، كما إنه يلعب دوراً هاماً في النظر بالمسائل المتعلقة بالخلافات الناجمة عن العلاقات الدولية ذات الطابع التجاري .
هذا الجهاز يهدف إلى القيام بعملية تقويم شاملة وكاملة من أجل البحث في الآثار الإيجابية والسلبية لسريان قواعد النظام التجاري الدولي معتمداً مبدأ الشفافية .
تقوم الأمانـــــة العامـــــة بإدارة شــــؤون المنظمة و إعداد الوثائـــق، وكـــــذلك تحضير المؤتمــــــرات السنوية و الاتصال بالحكومات، و تعمـــــل تحــت إشـــــراف المديـــــر العـــــام لمنظمة التجـــــارة الدوليـــــة المُعَيـــــن من قبل المجـــــلس الـــــوزاري، الـــــذي يحـــــدد له واجـــــباته وســـــلطاته، ويقـــــوم المدير العام بتعييــن موظفـــــي الأمانة العامـــــة، و يحـــــدد واجباتهم وشــــــروط خدمتـــــهم تبـــــعاً للـــــقواعد المعتـــــمدة مـــــن قبـــــل المـــــؤتمر الـــــوزاري .
أما الآن فسيتـــــمُ الحديـــــث عن الأجهـــــزةِ المتخصصـــــةِ لمنظمةِ التجـــــارةِ العالميةِ لتكامـــــلِ الصـــــورة.
تنقسم الأجهزة المتخصصة في منظمة التجارة العالمية إلى قسمين :
ويحتوي على عدة لجان، منها: اللجنة الزراعية ولجنة الإجراءات الوقائية، ولجنة مراقبة المنسوجات، ولجنة الممارسات ضد الإغراق، وهو تكدس السلع في سوق إحدى الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية نتيجة تخفيض أو إلغاء التعرفة الجمركية
ويشرف على عدة مجموعات منها مجموعة المفاوضات حول الاتصالات ولجنة تجارة الخدمات المصرفية...
وهو مهتم ببحث في القضايا المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية التابعة للتجارة .
الاشتـراك في هذه المجالـس متاح للـدول الأعضـاء الراغبـة في ذلك، وتخضع هذه المجـالس الثـلاث، التـي تتولى تنفـيذ الاتفاقيات التي تقع في دائرة اختصاص كل واحد منها، للإشراف المباشر من قبل المجلس العام، كما إنها تعقد اجتماعاتها حسب الضرورة والحاجـة لتنفيذ مهامها .
وتتكون من أربعةِ لجانٍ أساسيةٍ:
وتعنى بدراسة تأثير التجارة على البيئة.
التي تهتم بالعالم الثالث خاصةً الدول الأقل نمواً.
وتقدم الاستشارات بالقيود التي ترد على التجارة لأهداف ترتبط بميزان المدفوعات.
وتشرف على المسائل الداخلية لمنظمة التجارة العالمية، وقد بلغَتْ مساهمات الأعضاء عام 2000م حوالي 74 مليون دولار أميركي، ويتناسب حجم إسهام كل عضو مع أهمية تجارته الخارجية، فتبلغ حصة الولايات المتحدة الأميركية 15.7% من ميزانية المنظمة، بينما تبلغ مساهمة الدول الإسلامية 5.5% من ميزانية المنظمة، قد دفعت ماليزيا وتركيا والإمارات العربية المتحدة أكثر من ثلثي هذه النسبة .
يوافق المؤتمر الوزاري على انشاء هذه اللجان، و ينشأ لجاناً أخرى كلما دعت الحاجة. تنفذ تلك اللجان المهام التي توكلها إليها الاتفاقيات متعددة الأطراف، وما يعهد به إليها المجلس العام، من مهام إضافية، وعضويتها متاحة لجميع الدول الأعضاء الراغبة في ذلك .
تُتخذُ القرارات في منظمة التجارة العالمية علـى أساس التراضي، ولعل هذا أبرز ما يميزها عن غيرها من المنظمات، و هذا تبعـاً للمادة التاسعـة من الاتفاق المنشئ لمنظمة التجارة العالمية، اتفاق مراكـش ، و القرار يعتبر قد اُتخِذ بالتراضي عندما لا يعترض عليه أي أحد من الأعضاء المتواجدين، و في حال عدم التوصل إلى قرار بالتراضي يتم اللجوء إلى التصويت، بحيث يتمتع كل عضو من أعضاء منظمة التجارة العالمية بصوتٍ واحد، و يتم اتخاذ القـرارات بأغلبيـة الأصـوات، كما إنه يشتـرط توفـر أغلبية ثلاثـة أرباع الأصـوات على الأقـل في حال انعقـاد المجلـس العام كهيئـة لفض النزاعات أو في حال اتخـاذ قرار يتعلق بتفسير العلاقـات التجاريـة. للتوضيح، يتم اتخاذ القرارات كما هو موضوح بالآتي :
وهي الطريقـة المعتـادة لسيـر آليـة اتخـاذ القـرارات في منظمـة التجـارة العالمية، حيـث يتحقق اتخـاذ الآراء بالقبـول والتوافـق على القرار المقتـرح، وهـذه الطريقـة كانـت ساريـة ومتبعـة أثنـاء اتفاقيـة الجات، واستمـر العمـل بهـا في منظمة التـجارة العالميًة، بحيث يتم عـرض مواضيـع واقتـراحات محـددة، ثمَّ يتـم إجـراء مفاوضـات جديـة حـولها، وتتـم الموافقـة على الاقتراحات في حال عدم اعتـراض أي دولـة عضـو في المنظمـة كما هو مذكـور سابقـاً.
وهي الطريقـة الاستثنـائية لاتخاذ القـرارات في منظمـة التجـارة العالمية، واستعمـلت هذه الطريقـة أيضـاً أثنـاء اتفاقية الجات، و قد استمـر العمـل بها في منظمـة التجـارة العالميـة، حيث كـل دولـة عضـو بالمنظمة تصـوت بصوتـها الممنـوح لهـا، ليسـود مبدأ المسـاواة في المعاملـة بيـن جميع الـدول الأعضـاء، على الرغـم من أن بعـض الدول الصناعيـة طالبـت بأن يكـون لكـل دولة عدد من الأصـوات وذلك بحـسب حصـة الدولـة من التجـارة فـي القطاع المعنـى والمقصـد، ولكن لم تتحقق هذه المطالبة لسببيـن:
تعتبر آلية فض النزاعات لمنظمة التجارة الدولية من أهم الآليات التي أسهمت بشكل كبير في حل الكثير من النزاعات القائمة بين الدول الأعضاء، وذلك عبر توكيل هذه المهمة إلى المجلس العام حيث يقوم أي عضو متضرر من خرق نصوص الاتفاقيات بتوجيه شكواه إلى المنظمة ومن ثمَّ تعين لجنة للتحقيق في القضية ومن ثم اقتراح حل مناسب .
مراحـلُ تسويةِ النزاعاتِ :إذا قدم طلب المشاورات عملاً باتفاق مشمول، يجب على العضو الذى يقدم إليه الطلب، ما لم يجري اتفاق متبادل على عكس ذلك، أن يجيب على الطلب في غضون ۱۰ أيام من تاريخ تسلمه وأن يدخل بحسن نية في مشاورات ضمن فترة لا تتجاوز ٣٠ يوماً بعد تسلم الطلب، بهدف التوصل إلى حل مرضٍ للطرفين. وإذا لم يرسل العضو رداً في غضون ۱۰ أيام من تسلم الطلب، أو لم يدخل في مشاورات ضمن فترة لا تتجاوز ٣٠ يوماً بعد تسلم الطلب، حق للعضو الذي طلب المشاورات أن ينتقل مباشرة إلى طلب إنشاء فريق لحسم النزاع. على العضو الطالب للمشاورات أن يخطر الجهاز والمجالس واللجان ذات الصلة بطلبه المشاورات، وتُقدَم طلبات عقد المشاورات كتابة وتدرج الأسباب الداعية للطلب بما فيها تحديد الإجراءات المعترض عليها مع ذكر الأساس القانوني للشكوى، كما إنه يجب على الأعضاء أن يسعوا خلال سير المفاوضات إلى تسوية مرضية للنزاع ، قبل اللجوء إلى إجراء آخر .
ويتشكـل الفريـق ليفحـص فـي ضوء الأحكـام المتعلقـة بالموضـوع الذي قدمـه الطـرف الشاكـي إلى جهـاز تسـوية المنازعـات، وذلك بهـدف الوصـول إلى نتائـج تـساعد جهـاز تسـوية المنازعـات علـى تقديـم التوصيات أو اقتـراح الأحكـام المنصـوص عليهـا فـي ذلك الاتفـاق أو الاتفاقيـات التـي استنـد إليهـا الطـرف الشـاكي، وعلى الفـُرَق أن تناقـش الأحكـام ذات الصلـة فـي أي اتفـاق أو اتفاقيـات يذكـرها طـرفا النـزاع.
يؤخذ بعين الاعتبار في الدعاوي المرفوعة أمام الفريق، مصالح طرفي النزاع ومصالح أي أعضاء آخرين وفق اتفاق ذي صلة بالنزاع، ويمكن لأي طرف ثالث أن يتدخل أمام الفريق وأن يقدم إليه المذكرات وإلى طرفي النزاع الأصليين، وحين يفشل طرفي النزاع في التوصل إلى حل مرضي للطرفين، يقدم الفريق استنتاجاته على شكل تقرير مكتوب موجه إلى جهاز تسوية المنازعات، ويشمل التقرير بياناً بالوقائع، وبانطباق الأحكام ذات الصلة والمبررات الاساسية لكل نتيجة من النتائج وتوصية الفريق.
تصدر الهيئة قراراتها وفقا لقوانينها وعلى الطرف الخاسر تنفيذ تلك القرارات الصادرة تجاهه كما يحق له أيضاً طلب الاستئناف .
في حال عدم التزام الدولة المخلة بالاتفاقيات التجارية للمنظمة بقرارات الهيئة بعد الاستئناف، يمكن للدولة المتضررة أن تتلقى تعويضاً من الدولة المخلة بالاتفاق أو السماح للدولة المتضررة بالمعاملة بالمثل تجاه الدولة المخلة .
نلاحظ أنَّ منظمة التجارة العالمية تتصف بالعالمية لأنها تعمل على حرية التجارة العالمية من خلال انتقال السلع، والخدمات، والأشخاص بين الدول، وما يترتب على ذلك من أثار اقتصادية، وسياسية، واجتماعية، وثقافية، وحماية الملكية الفكرية، كما إنها تسعى جاهدةً إلى تسيير سبل التجارة الدولية عبر كسر القيود الجمركية والحدودية، وذلك عبر إشراف أجهزتها العامة والخاصة وآليات عملها على التجارة الدولية.
ونلاحظ أيضاً أنّ منظمة التجارة العالمية جمعت بين وسائل القوة، و الرقابة، و التطوير، فهي تشرف على التنفيذ عن طريق أجهزتها، و تراقب التنفيذ عن طريق آلية تسوية المنازعات، و تطور النظام التجاري عن طريق المفاوضات، كما إنه لا يمكن الإستغفال عن حقيقة أن التفاوض في إطار منظمة التجارة العالمية، يعني التفاوض بين الدول التي تمثل ما يزيد عن 97٪ من التجارة الدولية، و هذا يشير على أن هذه الدول هي التي ترسم حدود و أحكام التجارة الدولية، و تضع القواعد التي تحدد مستقبل الاقتصاد العالمي داعيةً إلى التجارة الحرّة دون أي قيود أو ضمانات.
يمكن القول إنَّ الدور المستقبلي لمنظمة التجارة العالمية و تأثيرها على الساحة الاقتصادية يزداد أهميةً بصورة مطردة، كما إنه يُلاحظ أن هذا التأثير لم يقتصر على السياسات التجارة الكلية بل أمتّد ليشمل السياسات الاقتصادية و التجارية و الوطنية للدول الأعضاء، و التأكيد على وجوب تكيّفها و انسجامها مع أحكام تلك الاتفاقيات المنعقدة، و أصبح الاندماج في النظام التجاري المتعدد الأطراف حتمية يفرضها الوضع الاقتصادي العالمي، المعاصر لأن العيش في العزلة أصبح أمراً صعباً جداً خاصةً و أنّ العالم يزداد تشابكاً و تعقيداً، لذلك وَجب على الدول النامية البدء في تطبيق برامج الإصلاح الاقتصادي ذات النطاق الواسع، و محاربة الفساد من أجل توفير بيئة ملائمة و مشجعة لتسهيل الإنضمام لمنظمة التجارة العالمية الذي يستلزم تحقيق متطلبات التنمية، و مواجهة تحديات الاندماج المختلفة، لكن المشكلة الكبرى هي أنَّ كثيراً من الدول النامية -بما فيها الدول العربية- ليست قادرة على المشاركة في النظام التجاري المتعدد الأطراف لوجود حواجز عدّة مثل الافتقار إلى الاستقرار الاقتصادي الكلي، بالإضافة إلى أنها مفتقرة إلى نظام مؤسس يُشرف على مواكبة المفاوضات والاندماج.
من خلال ما ذُكر يتبيّن لنا أن منظمة التجارة العالمية ليست خياراً بل واقعاً، لذا يجب على الدول النامية أن تصحح من مسيرتها الاقتصادية، حيث إنّ منظمة التجارة العالمية تسعى باستمرار لإقامة نظام تجاري عالمي أكثر عدلاً ووضوحاً في آلياته وقواعده، مما يفتح لنا آفاقاً واسعة لتناول دراسات وأبحاث جديدة تطرح إشكاليات جديدة، تدور حول ماهية وفعالية تبني الدول النامية استراتيجيات من أجل إثبات موقعها في النظام الاقتصادي العالمي الراهن لتخرج الدول العربية من دائرة العالم النامي.
اضافة تعليق جديد
الإسم | |
البريد ( غير الزامي ) | |
|
لم يتم العثور على تعليقات بعد |
تواصل معنا