خلقنا الله في هذا الكون وحمّلنا الأمانة وكرّمنا وسخر لنا مخلوقاته وفضّلنا على كثير منها، قال تعالى : (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)[الإسراء : 70]
حدد لنا حقوقا تحفظ إنسانيتنا وكرامتنا وأرواحنا وأجسادنا، فلا تُمسُّ إلا بحدٍّ من حدود الله.إلا أنَّ البشرية وعبر العصور قد أنجبت بعض المجرمين ممن سفكوا الدماء وعاثوا في الأرض فسادا، وهذا غير مقتصرٍ على وقتنا الحاضر وإنما امتداده منذ آلاف السنين، فخلّد التاريخ إجرامهم وإباداتهم ومجازرهم، كأمثال الفراعنة، والتتار المغول، ومذبحة الأرمن 1915، ومجزرة سقوط حلب 962م، ومجازر هولودومور في أوكرانيا عام 1933م، ومذبحة ناكيج في الصين عام 1937م. ولازالت المجازر وجرائم الإبادة الجماعية تنتهك أبسط حقوق الإنسانية.
هناك قواعد تحكم سلوك المتخاصمين والمتنازعين، وتحمي ضحايا النزاعات الدولية وغير الدوليّة، إلّا أن هذه القواعد تخرق بشكل مستمر، وعلى نطاق واسع. لذا تم إنشاء محكمة الجنايات الدوليّة، والتي يحكمها نظام روما الأساسي، وتعتبر أول محكمة دائمة أسست بناء على معاهدة تم إنشاؤها لمحاسبة مرتكبي أكثر الجرائم خطورة على المستوى العالمي والتي تشكل قلق للمجتمع الدولي.
وللقيام بهذا البحث كان لا بدَّ لنا من اتباع المنهج الاستقرائي الذي يقوم بقراءة الوثائق والاطلاع على القرارات والمؤتمرات وإسقاطها على الواقع، ثم المنهج التحليلي والذي يحلل القرارات ويلخص إلى النتائج.
وهنا نأتي إلى إشكالية البحث والتي تنبع من صميم الموضوع المطروح، ماهي المحكمة الجنائيّة الدوليّة؟ كيف نشأت وما مراحل تطوّرها؟_ وما الغاية من إنشائها؟_ ما هي اختصاصاتها وصلاحياتها، وما التحدّيات التي واجهتها؟_ وكيف كانت علاقة مجلس الأمن بالمحكمة الدوليّة؟
قبل الحديث عن المحكمة الجنائية والتعرف على صلاحياتها واختصاصاتها لا بُدَّ لنا من تحديد المفهوم العام لها وتعريفها والحديث عن نشأتها، والتطورات التي مرت بها. لذا قسمت هذا الفرع إلى قسمين :
لا بد لنا أن نقوم بتعريف المحكمة الجنائية الدولية ونسلط الضوء أيضا على نشأتها وماهي المحاكم التي تشكلت في الحرب العالمية.
المحكمة الجنائية الدولية هي منظمة دولية تسعى إلى وضع حد للثقافة العالمية المتمثلة في الإفلات من العقاب،فهي هيئة قضائية دولية، تمضي بولاية عالمية لمحاكمة مجرمي الحرب ،ومرتكبي الفظائع بحق الإنسانية ،وإبادة الجنس البشري.
تعد المحكمة هيئة مستقلة عن الأمم المتحدة من حيث الموظفين والتمويل ،وقد تم وضع اتفاق بين المنظمتين في ٤/تشرين/٢٠٠٤ يحكم بطريقة تعاطيهما مع بعضهما البعض من ناحية القانونية .وتعرف أنها أيضاً هيئة مستقلة دائمة مقرها في لاهاي هولندا أساسها المجتمع الدولي وتهدف الى محاكمة مرتكبي جرائم التي تشكل تهديدا للإنسانية والأمن والسلم الدوليين وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب(١).
إن الحاجة إلى إنشاء المحكمة الجنائية الدولية ليس وليد اللحظة بل كانت الحاجة موجوده من مئات وآلاف السنين فقد انبثقت الحاجة من المجتمع الدولي ككل من أجل مساءلة ومحاسبة كل مقترفي جرائم ،وإن فكرة إنشاء المحكمة مقترنة بالنزاع المسلح ففي القرن التاسع عشر أشير في اتفاقيات القانون الدولي الإنساني إلى ضرورة احترام الفرد أثناء الحروب وعدم جواز مخالفة أحكامها إلا أن لا يوجد ولا نص يتضمن معاقبة ومحاسبة منتهكي تلك الأحكام ونتيجة لما حصل في الحرب العالمية الأولى والثانية فكانت حرب قاسية على البشر والحجر فزداد عدد الأصوات وازدادت الضغوط الدولية حتى تم تشكيل محاكم عسكرية مؤقتة ومبادرة الأمم المتحدة في إنشاء محكمة يوغسلافيا ورواندا فقاموا بمساءلة ومحاسبة مرتكبي جرائم ضد الإنسانية ،فإن المحاكم المؤقت ساهمت في إصلاح الوضع وهذا ما شجع لجنة القانون الدولي إلى تشكيل المحكمة الجنائية الدولية،فعقد ثلاث اجتماعات في عام ١٩٩٧من أجل وضع نظام أساسي للمحكمة بحضور ١٦٠دولة ،و٢٦منظمة دولية حكومية ،و٢٣٢منظمة غير حكومية لدراسة نظام روما فقد تم اعتماد نظام روما في ١٧/تموز /١٩٩٨نتيجة انعقاد المؤتمر الدبلوماسية الدولي نظم تحت رعاية الأمم المتحدة ودخل حيز التنفيذ في الحادي عشر من نيسان٢٠٠٢(٢).
وحتى حزيران/ يونيو 2015، صدقت 123 دولة على نظام روما الأساسي ،وإن نظام روما يسمح أن تعقد المحكمة جلساتها في مكان آخر عند رؤية القضاة بأن ذلك مناسباً ،فأنشأت المحكمة مكاتبها في المناطق التي يجري فيها التحقيقات.وكان الهدف من اعتماد نظام روما الأساسي في المحكمة من أجل توسيع عمل كل من المحكمتين الخاصة بيوغسلافيا السابقة ورواندا في سنتي ١٩٩٣,١٩٩٤.
إن المحكمة الجنائية الدولية اعتمدت من قبل ١٢٠دولة في ١٧/تموز/ ١٩٩٨, في روما فكان لأول مرة في تاريخ البشرية توافق الدول على اختصاصات المحكمة الجنائية الدولية من أجل محاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة وجرائم الإنسان والاعتداء وجرائم الحرب.
إن الدول التي وافقت على المحكمة تدعى دول الأطراف ولها تمثيل في "جمعية الدول الأطراف"تحدد جمعية دول الأطراف التي تعقد مرة واحدة كل سنة،من أجل السياسات العامة لإدارة المحكمة(٣).
يوجد إحدى وعشرون دولة امتنعت عن تصويت من أجل نشأة المحكمة، فإن المحكمة الجنائية لا تستطيع ممارسة مهمتها مالم تكن المحاكم الوطنية غير قادرة على التحقيق أو الإدعاء ضد تلك القضايا أو محاسبة مرتكبي الجرائم أو يكون هناك تاخيراً غير مبرر في الإجراءات القضائية أو يكون القصد من من تأخير في الإجراءات حماية شخص من المسؤولية الجنائية.فإن المحكمة بدأت أعمالها في آذار/ مارس 2003 عندما جرى تعيين المدعي العام والقضاة وقلم المحكمة(٤) .
يجوز للمحكمة الجنائية الدولية أن تقاضي الأفراد وليس الجماعات أو الدول، ويجوز أن يتقدم إلى المحكمة كل فرد ارتكب جرائم ويكون من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية.
وإن المحكمة الجنائية الدولية تمثل تقدمًا في مجال القانون الجنائي الدولي، فقد تمت دراسة فكرة إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة بعد محكمة نورمبرغ لأول مرة في سنة 1945، إلَّا أن الدول فشلت في التوصّل إلى اتفاق حتى عام 1998.
إن ما أسفرت الحربين العالميتين الأولى والثانية ومما حصل من انتهاكات بحق البشرية وحتى الحجر ،والاعتقاد الخاطئ نحو عدم مسائلة ومحاسبة أحد أثناء الحرب،كان لا بد من وضع قاعدة تحد عن ارتكاب هذه الانتهاكات بحق البشرية ، فسعى المجتمع الدولي ككل متقدماً بالأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية لمساءلة ومحاسبة ومحاكمة كل مرتكبي جرائم ،هذا ما دفع المجتمع الدولي لتشكيل المحكمة الجنائية الدولية رافعين شعار "لا يجوز أن يفلت أحد من العقاب"،فقامت الأمم المتحدة متمثلة بدول الحلفاء بتشكيل محكمتي نورمبرغ وطوكيو في نهاية الحرب العالمية الثانية في ١٩٤٥م
إن ما أسفرت الحربين العالميتين الأولى والثانية ومما حصل من انتهاكات بحق البشرية وحتى الحجر ،والاعتقاد الخاطئ نحو عدم مسائلة ومحاسبة أحد أثناء الحرب،كان لا بد من وضع قاعدة تحد عن ارتكاب هذه الانتهاكات بحق البشرية ، فسعى المجتمع الدولي ككل متقدماً بالأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية لمساءلة ومحاسبة ومحاكمة كل مرتكبي جرائم ،هذا ما دفع المجتمع الدولي لتشكيل المحكمة الجنائية الدولية رافعين شعار "لا يجوز أن يفلت أحد من العقاب"،فقامت الأمم المتحدة متمثلة بدول الحلفاء بتشكيل محكمتي نورمبرغ وطوكيو في نهاية الحرب العالمية الثانية في ١٩٤٥م
جاء تشكيل هذه المحكمة في لندن ١٩٤٥/٨/٨،التي نصت مادتها الاولى على على إنشاء محكمة عسكرية دولية لمحاكمة مجرمي الحرب الذين ليس لجرائمهم محل جغرافي سواء كانوا متهمين بصورة فردية أو أعضاء في منظمات أو جماعات أو بهاتين الصفتين.
وصفت المحكمة الدولية بأنها عسكرية لأن المطلوب منها هو أن تنظر في أفعال جنائية ارتكبت من خلال العمليات الحربية ،والغرض من أسباب هذه الصفة هو حسم النزاع الذي يمكن أن ينشأ حول اختصاص المحكمة على اعتبار أن اختصاص المحاكم العسكرية أوسع من اختصاص المحاكم العادية، ونذكر أن هذه المحكمة جاءت لمحاسبة مجرمي الحرب ولا يستفيد المتهم من صفته الرسمية ولا يكون له أي حصانة من العقاب.
بدأت المحكمة أول جلساتها في مدينة نورمبرغ في ألمانيا في ١٩٤٥/١١/٢٠وانتهت في ١٩٤٦/٨/٣١، ومع الرغم من كل الهجمات التي التقتها حول عدم مسائلة ومحاسبة الأفراد وغيرها من الانتقادات ودفاع إلا أنها أصدرت محاكماتها في تاريخ ١٩٤٦/٩/٣٠و ١٩٤٦/١٠/١اولاً : الحكم بالاعدام شنقا على١٢متهم ،ثانياً : الحكم بالسجن المؤبد على ثلاثة متهمين ،ثالثاً : الحكم بالسجن لمدة عشرين سنة على متهمين ،رابعاً : الحكم بالسجن المؤبد لمدة خمسة عشر سنة على متهم،خامسا : الحكم بالسجن لمدة عشر سنوات على متهم،سادساً : الحكم ببراءة ثلاثة متهمين،أما بالنسبة لمحاكمة باقي المتهمين من غير مجرمي الحرب الكبار،فقد صدر بشأنهم قانون مجلس الرقابة رقم ١٠ في ديسمبر عام ١٩٤٥لتنظيم محاكماتهم ،فقد تم إنشاء إثنى عشرة محاكمة في نورمبرغ لمحاكمتهم(٦).
بعد أن تم تشكيل محكمة نورمبرغ لمحاكمة الضباط الألمان في ١٩٤٥/٨/٨ ،تم تشكيل محكمة طوكيو لمحاكمة ضباط اليابان,(٧)ففي ١٩٤٦/١/١٩اصدر الجنرال ماك آرثر الأميركي القائد لقوات الحلفاء في الشرق الأقصى ،إعلانا بشأن إنشاء محكمة عسكرية دولية في طوكيو من أجل محاكمة مجرمي الحرب الكبار في الشرق الأقصى ،فقبل الجنرال مالك في نفس اليوم على تشكيل هذه المحكمة ،وفيما بعد قام بتعديل عليه بناء على طلبه(٨).
نصت المادة الأولى على إنشاء محكمة عسكرية دولية للشرق الاقصى من أجل إنزال عقاب عادل وسريع على مجرمي الحرب الكبار،ونصت المادة الثانية على أن المحكمة تتكون على الأقل من ستة أعضاء و على الأكثر من أحد عشر عضواً يختارهم القائد الأعلى للقوات المتحالفة،وقد تألفت المحكمة من إحد عشر قاضياً يمثلون إحدى عشر دولة ،وقد نصت المادة الخامسة على الجرائم التي تدخل اختصاص المحكمة لمحاكمة الأشخاص الطبيعيين الذين يرتكبون الجرائم بصفتهم الشخصية وليس بوصفهم أعضاء في منظمات أو هيئات إجرامية ،والمادة التاسعة من لائحة محكمة نورمبرغ الذي يجيز إلصاق الصفة الإجرامية بالهيئات والمنظمات(٩).
أما القواعد الإجرامية المتعلقة بسلطة المحكمة تقريبا متشابهة مع محكمة نورمبرغ.استمرت محاكمات طوكيو من ١٩٤٦/٤/١٩الى ١٩٤٨/١١/١٢، فقد أصدرت في نهاية حكماً بإدانة ٢٦ متهماً من العسكريين والمدنيين وعقوبات قريبة من عقوبات نورمبرغ ،وبسبب التشابه بين محكمة نورمبرغ ومحكمة طوكيو فقد وجه نفس الانتقادات لجهة اختصاص المحكمة وعدم مسؤولية الأفراد وعدم احترام مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، ولا ننسى أن محكمة طوكيو هي محكمة مؤقتة وانتهت مهمتها في ١٩٤٨/١١/١٢(١٠).
تتألف المحكمة الجنائية الدولية من اربع اجهزه هي : هيئة الرئاسة، ودوائر الحكومات ،ومكتب المدعي العام ،وقلم المحكمة.
هيئة الرئاسة هي أحد أجهزة المحكمة الأربعة وتتألف من ثلاثة من قضايا المحكمة والرئيس حاليا هو سانغ هيون سونغ ،والنائب الأول للرئيس هو فاتوماتا ديمبلي ديارا ،والنائب الثاني هو هانز بيتر كول ،وتم انتخاب الثلاثة من قبل هيئة الرئاسة
إن هيئة الرئاسة مسؤولة عن إدارة المحكمة ماعدى مكتب المدعي العام،إلا أنها تنسق مع المدعي العام وتسعى إلى تحقيق توافق الآراء معه في جميع المسائل ذات الاهتمام المشترك،(١٢).
تمثل المحكمة في العالم الخارجي وتساعد في تنظيم عمل القضاة، وأيضاً إنها تبدي رأيها في طائفة واسعة من السياسات الإدارية كما تصدر توجيهات رئاسية في المسائل المتعلقة بتسيير شؤون المحكمة ككل والمسائل المتعلقة بنظام الموظفين وأمن المعلومات وصندوق المحكمة الاستئماني .
دوائر الحكومات : الجهاز الثاني للمحكمة الجنائية الدولية ففي دوائر المحكمة ثلاث شعب،الشعبة التمهيدية،والابتدائية،الاستئنافية، فقد تتولى المحكمة تنفيذ المهام القضائية المحكمة ،ويتم تعيين القضاة في شعب تبعاً لطبيعة المهمة التي سيؤديها ولخبرته ،فيتم الإنتخاب من أعضاء كل شعبة رئيس يتولى الإشراف على إدارة الشعبة لمدة سنة واحدة
الشعبة التمهيدية : وتتألف من عدد لا يقلّ عن ستة قضاة؛ وتتحدّد تركيبة الدائرة التمهيدية وفقًا للقواعد الإجرائية وقواعد الإثبات،وإن القضاة ذوي خبره بالمحكمات الجنائية ،ويعمل القاضي في هذه الشعبة لمدة أقصاها ثلاث سنوات.
الشعبة الابتدائية : وتتألف من عدد لا يقلّ عن ستة قضاة، الدائرة الابتدائية وتتألف من ثلاثة قضاة من قضاة الشعبة،معظم القضاة فيها لديهم خبرة بالمحكمات الجنائية ويعملون لمدة ثلاث سنوات الى حين الانتهاء من اي قضية بدأ النظر فيها .
شعبة الاستئناف : وتتألف من الرئيس وأربعة قضاة، و دائرة الاستئناف وتتألف من جميع قضاة الشعبة تتولى النظر في طلبات الاستئناف التي يقدمها الأشخاص المدانون أو المدعي العام أو الممثلون القانونيون للمجني عليهم أو أصحاب الممتلكات(١٣).
ثالثاً مكتب المدعي العام : جهاز مستقل عن أجهزة المحكمة ،مسؤولًا عن تلقى الإحالات وأية معلومات موثقة عن جرائم تدخل في اختصاص المحكمة، وذلك لدراستها ولغرض الاضطلاع بمهام التحقيق والمقاضاة، ويتم انتخاب المدعي العام لمدة تسع سنوات فقط غير قابلة للتجديد،ويمكن أن يساعد المدعي العام نائب أو أكثر يتم انتخابهم بنفس الطريقه ،وان نائب والمدعي العام والنواب يكونون مستقلين تماما ومن جنسيات مختلفة،ويجب أن يكون شخصيات عالية وكفاءة عالية، ومن ذوي الخبرة في القضايا الجنائية ولا يجوز أن يرتبطوا بأية وظيفة مهنية أخرى أثناء ممارسة وظيفة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أو نائبه. بإمكان المدعي العام ترشيح الموظفين الضروريين لعمله مثل المستشارين أو المحققين(١٤).
يتألف من مسجل وعدد من الموظفين ،يتعين المسجل من قبل الأمين العام بعد تشاور مع رئيس المحكمة ويعين لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد (١٥)،يقوم قلم المحكمة بمساعدة المحكمة في إجراء محاكمات عادلة ونزيهة وعلنية،وتشمل مهامه الأساسية بتقديم الدعم الإداري والتشغيلي للدوائر ومكتب المدعي العام ،ويدعم قلم المحكمة أنشطة رئيسية فيما يتعلق بمسائل الدفاع والمجني عليهم والاتصالات والأمن ، كما يحرص على إسداء الخدمات للمحكمة على النحو المطلوب ،ووضع آليات فعالة لمساعدة المجني عليهم والشهود والدفاع بهدف صون حقوقهم بموجب نظام روما الأساسي والقواعد الإجرائية وقواعد الإثبات(١٦).
ولاستكمال حديثنا عن المحكمة الجنائية الدولية لا بد لنا من التعرف على اختصاصاتها وصلاحياتها، لنعلم ما المجالات التي تدخل ضمن مهام المحكمة الجنائية الدولية وما الصلاحيات التي تمتلكها لتواجه أ مرتكبي الجرائم، وبالتالي ستكون المحكمة أمام تحدّيات عظيمة لمواصلة العمل والخلوص لنتائج ملموسة تمنح الناس الثقة بها وتشعرهم بالطمأنينة، فكان لا بدَّ لنا من تقسيم هذا الفرع إلى قسمين :
يقتصر اختصاص المحكمة الجنائية الدولية على أشد الجرائم خطورة حول العالم،وتكون محطة اهتمام المجتمع الدولي وذلك لتحقيق غايتين الأولى : لكي لا يتسع نطاق اختصاص المحكمة على نحو لا يتفق ولا يتماشى مع الإمكانات المتاحة لعملها ،والثاني : فهي تحقيق مبدأ التكامل بين هذه المحكمة واختصاص القضاء الجنائي الوطني ،وعرضها على القضاء الوطني أما لخروجها عن الولاية أو لعدم إمكان ملاحقتها أمامه وفقاً للشروط والأوضاع التي حددها وفصلها النظام السياسي(١٧).
وإن الاختصاص الموضوعي في المادة الخامسة من نظام الأساسي للمحكمة تنص بصورة مباشرة على جرائم التي تدخل اختصاص المحكمة والجرائم هي : جريمة الإبادة الجماعية،جرائم ضد الإنسانية،جرائم الحرب،وجريمة العدوان.يمثل إدراج هذه الجرائم الأربعة إتفاقاً جوهرياً مشتركاً داخل اللجنة ولا يدخل في تحديد وتطبيق مفهوم الجرائم بموجب القانون الدولي العام لأغراض أخرى (١٨).
▪️فإن جريمة الإبادة الجماعية تعني حسب تعريف ميثاق روما، القتل أو التسبب بأذى شديد بغرض إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية إهلاكا كليا أو جزئيا،(١٩)وإرتكاب أفعال مثل قتل أفراد الجماعة ،إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة ،إخضاع الجماعة عمداً لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي كلياً أو جزئياً ،فرض تدابير تستهدف منع الإنجاب داخل الجماعة ،نقل أطفال الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى (٢٠) .
▪️الجرائم ضد الإنسانية، وهي أي فعل من الأفعال المحظورة المنصوص عليها في نظام روما، إذا ارتكب بشكل منظم وممنهج ضد مجموعة من السكان المدنيين وعن علم بالهجوم(٢١)،مثل القتل العمد والإبادة والاغتصاب والإبعاد والنقل القسري والتفرقة العنصرية والاسترقاق،وجريمة الفصل العنصري ،و الأفعال اللاإنسانية الأخرى ذات الطابع الذي يسبب عمدا في معاناة شديدة أو في أذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحة البدنية أو العقلية(٢٢) .
جرائم الحرب، وتعني كل الخروقات المرتكبة بحق اتفاقية جنيف لسنة 1949، وانتهاك قوانين الحرب في نزاع مسلح دولي أو داخلي، وتشمل الأعمال المحظورة ما يلي : (٢٣) القتل العمد ،والتشويه والمعاملة القاسية والتعذيب ،أخذ الرهائن ،توجيه الهجمات عمداً ضد السكان المدنيين ،تعمد توجيه هجمات ضد المباني المخصصة لأغراض دينية أو تعليميه أو فنية أو علمية أو الخيرية ،والاثار التاريخية والمستشفيات ،النهب،الاغتصاب والاسترقاق الجنسي ،والحمل القسري،واي اشكال اخرى من أشكال التعذيب الجنسي ،تجنيد الأطفال دون الخامسة عشرة من العمر إلزاماً أو طوعياً في القوات المسلحة أو في جماعات مسلحة أو استخدامهم للمشاركة فعلياً في الأعمال الحربية(٢٤).
▪️جريمة العدوان يقصد بـ“جريمة العدوان” بالصيغة التي اعتمدتها بها جمعية الدول الأطراف خلال المؤتمر الاستعراضي لنظام روما الأساسي المعقود في كمبالا )أوغندا( في الفترة من 13 أيار/مايو إلى 11 حزيران/يونيه ،2010 التخطيط لعمل أو الإعداد له أو بدؤه أو تنفيذه باستخدام قوة مسلحة لدولة ضد سيادة دولة أخرى أو سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي.
يشمل العمل العدواني، في جملة أمور أخرى، الغزو، والاحتلال العسكري، والضم باستخدام القوة، وضرب الحصار على الموانئ والسواحل، إذا اعتبر بحكم طابعه وخطورته ونطاقه، انتهاكا واضحا لميثاق الأمم المتحدة.ومرتكب العمل العدواني شخص له وضع يمكنه فعال من التحكم في العمل السياسي أو العسكري للدولة أو من توجيه هذا العمل.
اعتمدت جمعية الدول الأطراف بتوافق الآراء، في 15 كانون الأول/ديسمبر 2017 ً ، قرارا بتفعيلً اختصاص المحكمة بالنظر في جريمة العدوان اعتبارا من 17 تموز/يوليه 2018.
ويمكن للمحكمة أن تنظر بقضايا أشخاص متهمين بارتكاب هذه الجرائم مباشرة، أو آخرين لديهم مسؤولية غير مباشرة فيها، كالمسؤولية عن الإعداد أو التخطيط، أو مسؤولية التغطية عنها، أو مسؤولية التشجيع عليها(٢٥).
الإختصاص الزمني للمحكمة الجنائية الدولية،هو اختصاص فقط على الجرائم المرتكبة بعد بدء نفاذ نظام روما الأساسي بالنسبة للدولة المعنية،وإذا أصبحت دولة من الدول طرفاً في هذا النظام الأساسي بعد بدء نفاذه, لا يجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها إلا فيما يتعلق بالجرائم التي ترتكب بعد بدء نفاذ هذا النظام بالنسبة لتلك الدولة, ما لم تكن الدولة قد أصدرت إعلاناً بموجب الفقرة 3 من المادة 12،
(المادة 11)،ويستمد هذا من المبدأ القانوني الراسخ في عدم رجعية القوانين الجنائية، والذي بموجبه لا يمكن تطبيق قانون ما على الأعمال المرتكبة قبل تشريع القانون(٢٦).
الاختصاص الشخصي (بسبب الشخص)
يحق لكل فرد متهم بجريمة تقدم الى المحكمة بشرط أن جريمته تقع ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية باستثناء أي شخص كان دون سنّ الثامنة عشرة وقت ارتكاب الجريمة المنسوبة إليه (المادة 26).وإن نظام روما الأساسي لا يمكنه إعطاء صفة اللجوء إلى الحصانة في ما يتعلّق بالجرائم التي لها عليها اختصاص.وتنصّ المادة 27 من النظام الأساسي على أن للمحكمة اختصاصًا “على جميع الأشخاص بصورة متساوية دون أي تمييز بسبب الصفة الرسمية. وبوجه خاص، فإن الصفة الرسمية للشخص، سواء كان رئيسًا لدولة أو حكومة أو عضوًا في حكومة أو برلمان أو ممثلًا منتخبًا أو موظفًا حكوميًّا، لا تعفيه بأي حال من الأحوال من المسؤولية الجنائية بموجب هذا النظام الأساسي، كما أنها لا تشكل، في حدّ ذاتها، سببًا لتخفيف العقوبة”.
وتؤكد هذه المادة المبادئ المنبثقة عن المبادئ السابقة التي رسختها محكمة نورمبرغ والمحاكمتين الجنائيتين الدوليتان الخاصتين بيوغسلافيا السابقة ورواندا، وتمنحها وضعية قانونية دائمة وإلزامية. كما تعيد التأكيد على الأحكام التي تمّ اعتمادها في هذا المجال في عدد من الاتّفاقيات الدولية(٢٧).
إن المادة 13 من النظام الأساسي للمحكمة تحدد الحالات التي تتمكن من خلالها المحكمة الجنائية الدولية ممارسة اختصاصها وهي ثلاث حالات .
أولاً : اذا أحالت دولة طرف المدعي العام حالة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد إرتكبت
ثانياً : للمحكمة أن تمارس اختصاصها ضمن الجرائم المشار إليها في المادة الخامسة من النظام الأساسي للمحكمة إذا أحال مجلس الأمن متصرفاً بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
ثالثاً : للمدعي العام أن يباشر بنفسة التحقيق استناداً إلى المعلومات الموجودة المتعلقة بجرائم تدخل في اختصاص المحكمة ،ويقوم المدعي العام بتحليل هذه المعلومات المتلقاة ويجوز له إلتماس معلومات إضافية من الدول أو أجهزة الأمم المتحدة أو المنظمات الحكومية أو غير حكومية أو أية مصادر أخرى موثوق بها.(٢٨)
تمثيل المحكمة الجنائية الدولية ركنًا أساسيًا لنظام العدالة الجنائية الدولية ،فإنها تدعم تحقيق العدالة للضحايا والمتضررين وتشارك في منع ارتكاب الجرائم الأكثر خطورة نظرًا إلى توليها الحكم على مرتكبي الجرائم الدولية. وتدعم فرنسا هذه المحكمة دعمًا كاملًا من خلال الإسهام بميزانيتها وترويج طابعها العالمي وتلبية مطالبها في التعاون القضائي.
إن صلاحية المحكمة تقتصر فقط على الجرائم التي تشكل قلق للمجتمع الدولي وهي كما ذكرنا سابقاً :
جرائم ضد الإنسانية ،جرائم الإبادة الجماعية ،جرائم الحرب ،وجريمة العدوان التي أضيفت عقب مؤتمر التنقيح الأول لنظام روما الأساسي في حزيران/ يونيو 2010.
إن صلاحية المحكمة ليست عالمية فلا تستطيع المحكمة ممارسة صلاحيتها إلا في حالات الجرائم التي يرتكبها رعايا دول الأطراف وفي دول الأطراف وأيضاً الدول التي اعترفت بصلاحية المحكمة من خلال إعلان ذلك . تستطيع المحكمة ممارسة صلاحيتها في الجرائم الذي رفعها مجلس الأمن وهو أحد أجهزة الأمم المتحدة ،تماشياً مع قرار اعُتمد بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
إن صلاحية المحكمة تكون تحت سيطرة مبدأ التكامل ،فإن المحكمة لا تزيل أو تمحي الدول من مسؤولياتها الأولية ولا تتدخل إلا في حال تعذر الدول عن الاضطلاع بها أو عدم رغبتها في الحكم من أجل جرائم تندرج ضمن صلاحيتها.فإن المحكمة الجنائية الدولية هي هيئة مستقلة عن الأمم المتحدة،ولكنها تقوم في النظام الدولي لمكافحة الإفلات من العقاب وإدارة الأزمات.فقد رفع إلى المحكمة 31 قضية بشأن 17 حالة قيد التحقيق في كل من جمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية أفريقيا الوسطى (التحقيق الأول والثاني) وأوغندا وكينيا والسودان وليبيا وكوت ديفوار ومالي وجورجيا وبوروندي وبنغلادش وبورما وأفغانستان ودولة فلسطين والفلبين وفنزويلا (التحقيق الأول) وأوكرانيا. في 26 أيلول/ سبتمبر 2022 وتشرين الأول/ أكتوبر 2022.
بدأ مكتب المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية تحقيقات أولية بشأن جرائم زعم ارتكابها في نيجيريا وغينيا وفنزويلا (التحقيق الثاني) وبوليفيا(٢٩).
نظام روما الأساسي من أهم النصوص القانونية التي عالجت الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني لأنه استفاد من الخبرات القانونية والقضائية السابقة ،التي عرفها المجتمع الدولي منذ محاكمات الحرب العالمية الثانية (٣٠).
لم تكن المحكمة الجنائية الدولية لتنشأ لو لم يعترف بها المجتمع الدولي من خلال التصديق على نظامها الأساسي، ناهيك عن التزام الدول غير الأطراف نتيجة تصديقها على اتفاقيات جنيف الأربع عام 1949، والتي أصبحت جزءاً من القانون الدولي العرفي ،لكن من الطبيعي أن تواجه هذه العلاقة بين الدول والمحكمة تحديات عدة، أولها السيادة الوطنية.
على الرغم من التأكيد على مبدأ التكامل وإعطاء الأولوية في الاختصاص للقضاء الوطني وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأطراف، إلا أن هناك دول ترى أن إعطاء الاختصاص للمحكمة الجنائية الدولية ينتقص من سيادتها، هذا بالإضافة إلى تحفظها على خضوع مواطنيها، خاصة الذين يتمتعون بالحصانة، لولاية المحكمة الدولية، رغم أن الهدف من إنشاء المحكمة الجنائية الدولية هو ترسيخ مبدأ عدم الإفلات من العقاب،وعدم استخدام المناصب الرسمية مهما كانت ذريعة.
هذا ما حدث عندما تم التحقيق مع الرئيس السوداني عمر حسن البشير لارتكابه جرائم دولية في إقليم دارفور أثناء ممارسته منصبه كرئيس لدولة السودان،كما أن فرض التزام على الدول بالتعاون مع المحكمة يشكل تحديا ثانيا لفعاليتها، إذ أن التحقيق ايعتبرلذي تجريه المحكمة يبدأ على أراضي الدولة التي وقعت فيها الجريمة، وتكون تلك الدولة مسؤولة عن جمع الأدلة والاعتقال المتهم ، وبدون قبول هذا الالتزام بالتعاون مع المحكمة، لن تتمكن المحكمة من المضي قدماً في إجراءات التحقيق؛ ويكون ذلك عادة لعدة أسباب، منها عدم رغبة الدول في تسليم مواطنيها المتهمين، ووجود حالات تبرر عدم التعاون بموجب النظام الأساسي للمحكمة، كما في حالة حق الدولة في رفض طلب التعاون إذا وتطلب المحكمة المستندات السرية المتعلقة بالأمن القومي المنصوص عليها في المادة (934) من النظام للمحكمة، أو في حالة تأجيل التعاون وفقا للمادة (98) من النظام ذاته، وتراعى أحكام العلاقات الدبلوماسية الدولية على سبيل المثال، لا يمكن تقديم طلب القبض على الدبلوماسيين الموجودين خارج بلادهم إلا بعد الحصول على موافقة الدولة التي يحمل الدبلوماسي جنسيتها.
التحدي الثالث والأخير هو موقف الدول من التصديق على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، حيث أن عدم التصديق يمنع المحكمة من ممارسة ولايتها القضائية على تلك الدولة، مما يؤدي إلى إفلات المجرمين من العقاب.
وتعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا أمثلة على الدول التي تعارض اختصاص هذه المحكمة، إذ مارست الولايات المتحدة ضغوطا في مؤتمر روما بشأن عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام، كما امتدت ضغوطها إلى الدول الأطراف مثل الدول الأطراف.
اتفاق ثنائي مع رومانيا وطاجيكستان -وهما دولتان طرفان في المحكمة- نص في أحكامها على منع تسليم مواطنين أميركيين إلى المحكمة الدولية. أما الدول العربية فقد وقعت على النظام الأساسي للمحكمة ثلاث عشرة دولة، من بينها السلطنة، وصدقت عليه خمس دول فقط هي : الأردن، جيبوتي، جزر القمر، تونس، وآخرها في كانون الثاني/يناير 2015 انضمت فلسطين، كأكبر دولة عربية. والمبرر البارز لهذا التردد هو وجود تعارض بين النظام الأساسي للمحكمة والتشريعات الداخلية لتلك الدول، مما يتطلب إجراءات معقدة لتعديل هذه القوانين(٣١).
يتمتع مجلس الأمن بأهمية فريدة بين بقية أجهزة الأمم المتحدة، لأنه الأداة التنفيذية والمسؤول المباشر عن صون السلم والأمن الدوليين،وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد طالبت خلال المناقشات التي جرت في روما بأن يكون لمجلس الأمن وحده صلاحية الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية الدائمة(٣٢) .
لقد أنشأ نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 علاقة بين مجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية، وتوصف هذه العلاقة بأنها ذات طبيعة قانونية، مبنية على نصوص قانونية واضحة لا لبس فيها. فضلاً عن دور مجلس الأمن في إلزام الدول الأطراف وغير الأطراف بالتعاون مع المحكمة (٣٣).
تمثلت هذه العلاقة بمنح مجلس الأمن سلطتين مهمتين لهما تأثير كبير على عمل المحكمة الجنائية الدولية، و هاتان السلطتان هما : سلطة الإحالة وفق المادة (13/ب)التي تنص على إذا أحال مجلس الأمن , متصرفاً بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة , حالة إلى المدعي العام يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت.،وسلطة الإرجاء وفق المادة (16) من نظام روما ، ألا وهي إرجاء التحقيق أو المقاضاة لا يجوز البدء أو المضي في تحقيق أو مقاضاة بموجب هذا النظام الأساسي لمدة اثنى عشر شهراً بناءً على طلب من مجلس الأمن إلى المحكمة بهذا المعنى يتضمنه قرار يصدر عن المجلس بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة , ويجوز للمجلس تجديد هذا الطلب بالشروط ذاتها.(٣٤) نستنتج مما سبق أن المادة 16 من نظام روما النظام الأساسي للمحكمة أعطى سلطة خطيرة لمجلس الأمن التي تتضمن شل حركة وفعالية المحكمة وأيضاً تعليق دورها في التحقيق والمحاكمة .
إن العديد من الدراسات والاكتشافات أظهرت في الأخير أن الولايات المتحدة الأمريكية هدفها الأساسي من نص المادة ١٦هو ليس فقط حماية جنودها وإنما كان الهدف من أجل إعاقة نشاط وعمل المحكمة إذ تبين أن نسبة الخطر لملاحقة المحكمة لجنودها بناءً على نظام الأساسي للمحكمة هي منعدمة بالنسبة لجنودها العاملين في قوات السلام الدولية في العالم،وهذا يظهر بعد عدة مفاوضات جرت بين دول الأعضاء في مجلس الأمن تم في الأخير التوصيل الى قرار رقم ١٤٢٢من مجلس الأمن في ٢٠٠٢/٧/١٢،والذي تم بموجبه التجديد لقوات الأمم المتحدة العامة في البوسنة والهرسك لمدة ١٢شهر، وإذ تم إدراج بهذا القرار فقرة يطلب بها مجلس الأمن من المحكمة الجنائية الدولية واستناداً إلى المادة ١٦أنه في حال نشوء نزاع حول أحد المسؤولين الرسميين أو الجنود العاملين في القوات الدولية عدم إجراء أي تحقيق أو توقيف لمدة ١٢شهراً.
نرى من هذا القرار كيف أن الولايات المتحدة الأمريكية تحايله على المادة ١٦من النظام الأساسي للمحكمة، من أجل حماية جنودها بالخارج ،ونشير أخيراً أن عدد الجنود الأميركيين العاملين في البوسنة والهرسك هو ٤٦اميركي من أصل ١٥٠٠شخص مشاركين في ٤٠دولة في العالم ،باستثناء أفغانستان والعراق،وعلى الرغم من كل المعارضة الشديدة من دول الأطراف ومن التحالف الدولي للمحكمة من أجل منع تجديد قرار مجلس الأمن رقم ١٤٢٢ ،إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية استطاعت بمساعيها الدبلوماسية وغير الدبلوماسية من تجديد الفراق سنة واحدة أخرى،فصدر قرار مجلس الأمن رقم ١٤٨٧تاريخ١٢حزيران٢٠٠٣بقبول ١٢دولةوامتنعت كل من سوريا وفرنسا عن تصويت.
في ١٩ايار ٢٠٠٤عندما حان وقت تجديد قرار ١٤٨٧قدمت الولايات المتحدة الأمريكية طلباً لمجلس الأمن لمنح ذات الحصانات لجنودهها فرفض هذا الاقتراح رفضاً شديداً من الأمين العام خصوصاً مع تزامن ذلك مع سجن أبو غريب في العراق،فإذا قام مجلس الأمن بلموافقه على هذا القرار فإنه يقود عمل المحكمة الجنائية الدولية التي أنشأت من أجله ،ولكم الولايات المتحدة الأمريكية لم تستسلم ففي٢٢حزيران ٢٠٠٤ قدمت الاقتراح مرة أخرى ولكنه استمر بلرفض مما دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى سحب مشروعها من التداول(٣٥).
سعينا من خلال هذا البحث المتواضع إلى تعرف على المحكمة الجنائية الدولية وكيف نشأت هذه المحكمة ،وما الغاية من إنشائها ونظامها الأساسي نظام روما والجرائم التي تدخل اختصاصاتها وصلاحياتها والعقبات والصعوبات التي تواجه هذه المحكمة واخيرا علاقة مجلس الأمن بها فقد تحدثنا في الفرع الأول أولاًعن نشأة وقلنا أن المحكمة الجنائية الدولية اعتمدت من قبل ١٢٠دولة في ١٧/تموز/ ١٩٩٨, في روما فكان لأول مرة في تاريخ البشرية توافق الدول على اختصاصات المحكمة الجنائية الدولية من أجل محاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة وجرائم الإنسان والاعتداء وجرائم الحرب.وقلنا في تطورها في عام ١٩٤٥عن المحاكم التي نشأة في ذلك العام وهي محكمة طوكيو ونومبرغ حيث سعى المجتمع الدولي ككل متقدماً بالأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية لمساءلة ومحاسبة ومحاكمة كل مرتكبي جرائم ،هذا ما دفع المجتمع الدولي لتشكيل المحكمة الجنائية الدولية رافعين شعار "لا يجوز أن يفلت أحد من العقاب"،فقامت الأمم المتحدة متمثلة بدول الحلفاء بتشكيل محكمتي نورمبرغ وطوكيو في نهاية الحرب العالمية الثانية في ١٩٤٥ فإن محكمة نورمبرغ وهي أحد أشهر المحاكم عبر العصور ،فجاء تشكيل هذه المحكمة في لندن ١٩٤٥/٨/٨،لقد وصفت المحكمة الدولية بأنها عسكرية لأن المطلوب منها هو أن تنظر في أفعال جنائية ارتكبت من خلال العمليات الحربية ،والغرض من أسباب هذه الصفة هو حسم النزاع الذي يمكن أن ينشأ حول اختصاص المحكمة على اعتبار أن اختصاص المحاكم العسكرية أوسع من اختصاص المحاكم العادية.أما محكمة طوكيو ،تم تشكيل محكمة طوكيو لمحاكمة ضباط اليابان,ففي ١٩٤٦/١/١٩اصدر الجنرال ماك آرثر الأميركي القائد لقوات الحلفاء في الشرق الأقصى ،إعلانا بشأن إنشاء محكمة عسكرية دولية في طوكيو من أجل محاكمة مجرمي الحرب الكبار في الشرق الأقصى ،فقبل الجنرال مالك في نفس اليوم على تشكيل هذه المحكمة. وإن المحكمة الجنائية الدولية تتألف من اربع اجهزه هي : هيئة الرئاسة، ودوائر الحكومات ،ومكتب المدعي العام ،وقلم المحكمة.ولاستكمال حديثنا عن المحكمة الجنائية الدولية لا بد لنا من التعرف على اختصاصاتها وصلاحياتها،فيوجد لديه الاختصاص الزمني والموضوعي والشخصي وصلاحياتها هي التي نص عليها في المادة الخامسة من النظام الأساسي للمحكمة ،فإن التحديات التي تواجه المحكمة كثير ومنها الانتقادات التي توجه لها بسبب اختصاص المحكمة وعدم مسؤولية الأفراد وعدم احترام مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات.والعلاقة بين المحكمة الجنائية الدولية ومجلس الأمن يعد مجلس الأمن جهازا سياسيا مرجعيته ميثاق الأمم المتحدة مكلفا بأداء مهمة كبيرة وصعبة هي الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، فان علاقة المحكمة الدولية بمجلس الأمن من خلال منحه حق تحريك الدعوى بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وفقا للمادة 13 من النظام الأساسي، كما أعطى لمجلس الأمن إرجاء التحقيق أو المقاضاة لمدة سنة كاملة قابلة للتجديد بناء على طلبه بموجب نفس الفصل وفقا للمادة 16 من النظام الأساسي، وهذا ما يعد مساسا لعمل المحكمة وخرقا لاستقلاليتها.
ها قد وصلنا إلى نهاية هذا البحث، وأريد أن أنوه إلى ن إنشاء محكمة الجنائية الدولية هو تقدما يسجل عبر التاريخ لمدى أهمية في أنحاء العالم، ولكن أين هي فعالية ودور المحكمة الجنائية الدولية في غزة اليوم؟ أم أن الجرائم التي تحدث ليس من اختصاصها؟ إن كل شيء يحدث في غزة نص عليه في الوثائق والاتفاقات الدولية على إنه خرق جسيم وانتهاك للإنسانية، ففي المبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني نص على حظر التعذيب بشتى أنواعه، وأضف إلى ذلك حظر بعد أنواع سلاح والحد من استخدامها، ومن أهم المبادئ في القانون الدولي الإنساني هو التفرقة بين الأهداف العسكرية والأعيان المدنية، إلا أن العنف المعتمد واستخدام الأسلحة المحظورة مثل الفسفور الأبيض وغيرها العديد هي ابسط الطرق المعتمدة من قبل إسرائيل، فأين كل الحقوق المنصوص عليها للإنسان في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؟ وأين محكمة الجنائية الدولية؟ وأين القانون الدولي الإنساني؟؟ وأين وأين؟ وأين...
نستنتج أن كل شيء أتفق عليه هو فقط من أجل حماية من كتبه ويطبق عندما يشاؤون وكيف ما يشاؤون، فأين العدل والقانون وأين تلك القوانين والتشريعات أم أنها تنطبق فقط من صالح بعض الدول و يتم تناسيها والاستغفال عنها في دول أخرى ، فلسطين مثلا؟؟!
اضافة تعليق جديد
الإسم | |
البريد ( غير الزامي ) | |
|
لم يتم العثور على تعليقات بعد |
تواصل معنا