الهدم الآن أولى من البناء
الثورة السورية التي تتوجت بالنصر وأطاحت بمنظومةِ فسادٍ وإجرام استمرت لأكثر من نصف قرن، وهذا الفساد والدمار الذي خلفته المنظومة خلال الحرب أو ما قبل الحرب بحاجة إلى بناء، فكيف ستبدأ مراحل البناء؟ وما أنواع البناء؟
المرحلة الراهنة التي تمر فيها سوريا الآن هي مرحلة مخاض، والتي ستشرق بعدها ولادة سورية الجديدة الحرة، أي أننا الآن نعيش في مرحلة البناء والتأسيس، والمعروف لدى كل إنسان أنَّ أي بناء بحاجة لوضع مخططات ثم تصاميم يحتسب من خلالها المساحة والمواد والتكاليف وغيرها، ثم ينتقل إلى أرض الواقع حيث يبدأ بالأساسات والتشييد، وهذا كله في حال كانت البداية من الصفر، ولكن موضوع البناء عندنا سيبدأ مما قبل الصفر، فكثير من الأبنية المتصدعة بسبب الحرب آيلة إلى السقوط، فهنا وجب إزالتها من ثم إعادة البناء، وهذه الإزالة بالضبط هي مرحلة ما قبل الصفر.
إذا فنحن الآن أمام نوعين من البناء ، بناء من فراغ وبناء يسبقه هدم، وهذا ما يتعلق بالأبنية والمنشآت وغيرها مما طالته يد الخراب والتدمير من المرافق العامة والحيوية والبنى التحتية.
ولكن إذا كانت الحرب خلال العقد الأخير قد دمرت كل ذلك فإن المنظومة الفاسدة التي حكمت لأكثر من نصف قرن قد دمرت أكثر من الحجر، لقد دمرت الإنسان بقيمه، وجردته من كل معاني الإنسانية والأخلاق، وزرعت فيه حب الأنا وبغض الآخر، زرعت فيه الخوف والترقب من المخبرين المجهولين، أنشأته على الولاء الأعمى، أجبرت الموظف على الرشوى (دبر حالك لتعيش)، حيث راتبه لم يكن يكفي لأكثر من يومين، وأرغمت المجند على القتل (اقتل وإلا ستْقتل)، وكثير جدا من حالات الإفساد وصوره.
وإعادة بناء هذا الخراب يحتاج النوع الثاني من البناء، ألا وهو البناء الذي يسبقه هدم، فكما أن الثورة قامت لتهدم منظومة الفساد وقد نجحت بالمرحلة الأولى، لتبني بدلا منها نظاما صالحا، يجب أن تهدم الخوف لتبني الأمان، وتهدم الرشوة لتبني الصلاح، وتهدم الخوف لتبني الطمأنينة، وتهدم الفقر لتبني الرفاهية، وتهدم القسوة لتبني الرحمة، تهدم القيود لتبني الحرية الواعية، تهدم الجهل لتبني الثقافة.
لنصل إلى نتيجة أن الهدم أهم وأولى من البناء، وإلا فكما لا يصح البناء على أساسات وقواعد مهترئة أيضا فإننا لا يمكن أن نبني الإنسان من قلوب مهترئة ضعيفة واهية مريضة، ويجب علينا القضاء أولا على كل ذلك قبل عملية البناء
إن هذا البناء هو أقسى وأصعب من بناء الحجر ومن الأهمية بمكان فهو بالمقام الأول يعتمد على بناء الإنسان الحر المثقف الواعي وإعادة تشكيله، وقد تطول هذه المرحلة من الهدم والبناء لسنوات وعقود وربما نحن بحاجة لأجيال قادمة ناشئة تحمل على عاتقها هذه المبادئ وتسعى لنشرها...
فهل أنت مستعد لهدم الضعف والسلبية لبناء القوة والإيجابية؟